الكاتب: عبد الرحمان سلامة
مصمم الجرافيك: أحمد علاء
من أين تأتي كل هذه الضوضاء؟! فقد تكبدت عثاء السفر من القاهرة إلى أغوار العين السخنة حتى أهرب من ضجيجها، لكنني لا أجد في هذا الشاطئ الصخري ،ولا مرآة البحر القاتمة بسواد الليل، ولا السماء المرصعة بالنجوم، ولا الجبل من ورائي بحجارته المتراصة مَصْدَرًا لهذا الصوت! فيا ترى من أين يأتي؟
أمن تلك الدرر التي تزين وشاح السماء الأسود؟ أيا ترى من تلك الكرات المتفجرة، التي فيها قلوب لاهبة، وحولها أجرام في بعضها ضاربة؟ لا، فوجود حياة كتلك، علم ليس إلا في سره -جل و علا- وكل أصوات الكون بأحداثه أخرستها قوانين الفيزياء فلا تصلنا. إذن من أين عساه يأتي هذا الصوت؟!
أمن تلك المدن العائمة المضيئة في الأفق، التي يعمل قاطنيها بكد كالقفير، فتتعالى أصوات الشهيق و الزفير؟ لا. فإذا تحدث أحدهم على بعد أمتار مني لما سمعته، فكيف أسمع من يفصلني عنهم بحر بموجة؟! يكاد رأسي ينفجر! يا ربي دلني على هذا الصوت لكي أكتمه!
شعرت بيد تربت على كتفي، فالتفتُ ورائي. فوجدت أخي وَاقِفًا يقول لي:" إيه يسطا مجعتش؟"
لقد اختفى الصوت! يا للعجب! رغم سهولة توقع المصدر لم أكن أريد تصديق ظني؛ لقد كنت تائهاً مرة أخرى بين دروب عقلي المكتظة و أزقته الصاخبة الضيقة.
لا أستطيع بعد الآن إنكار ما استنتجه منذ وقت طويل: ما العالم إلا ما يقبع بداخلي، و ما الواقع حولي إلا شاشة أسقطه عليها.
Comments